المقالات

الدكتور نورالدين بكر يكتب : السياحة والبكاء علي اللبن المسكوب!



في يوم 1 أكتوبر، 2022 | بتوقيت 11:00 ص

كلمات وشعارات وتصريحات ومؤتمرات وجوائز وندوات وافتتاحات  وقائع نعيشها منذ أكثر من ثلاثون عاماً تتناول السياحة والأمل وصناعة المستقبل، ويتكرر المشهد حتي بنفس الكلمات والعبارات وندعي أنه يمكن أن نصنع غدٍ أفضل للسياحة كأهم موارد الدخل القومي الغير ناضبة، وتفوق كل مصادر الدخل القومي لو أحسن فهم واستيعاب المقومات والإمكانيات السياحية التي تتمتع فيها مصر بميزات نسبية تفوق كثير من دول سبقتنا أعداداً وإيراداً ووجود علي الساحة الدولية، ونصيب يفوق كثير نصيبنا من حركة السياحة العالمية.

هذه المقومات إن أُحسن استخدامها وبرؤية مصرية عملية بعيداً عن المظهرية و التصريحات وإدعاءات بأرقام وبيانات وقتية   لأمكن أن نبدأ رحلة السياحة المصرية الجادة كصناعة.

وهنا أطرح علي بساط الحوار مجموعة من الحقائق الموضوعية التالية :

 دولة مارست السياحة قبل أن توجد أو تولد دول تسابقنا وخبرات مصرية وطنية أسمائها علامات مضيئة في صناعة السياحة فندقياً وسياحياً وتسويقياً وإرشاد ، لكن زمار الحي لا يطرب ويطويها النسيان ويصبح الغريب سره باتع، فما ذلنا نستعين بمن يسمون خبراء أجانب وبيوت خبرة ونطق حنك طول النهار حول نجاحات هي في الحقيقة وهم وتبرير..ولو تتبعنا الإدارات الفندقية للشركات العالمية في مصر والدول العربية لاكتشفت أن الكوادر والكفاءات وقمة مواقع الادارة فيها هي امتداد لأساتذة وخبراء ومديري الفنادق المصريين الذين صنعوا وقدموا أجيال هي علامات خارج الحدود ..

إن الحديث حول اقتحام الأسواق الجديدة أصبح مملا لتكراره علي مدي سنوات طويلة ضجيج بلا طحين ، وهنا يتعين أن تتضافر جهود أجهزة الدولة في تناغم لصيق وفقاً لخطط وتصور يشارك فيها الجميع وعياً بقيمة وأهمية صناعة السياحة.

وهنا نتسائل عن الدور المشترك لوزارة السياحة وسفاراتنا ومكاتبنا الإعلامية والتجارية بالخارج ، وهل تعمل بمنظومة محددة وواجبة وليس تنسيقاً وإنما تنفيذاً لخطط وبرامج تضعها الوزارات والإدارات المركزية في الحكومة للتسويق والترويج وصياغة صوره ذهنية لواقع مصر ومقوماتها وعياً بأننا نقدم ما يريده الآخرين لا ما نريده نحن ودون 
ذاتية في الحوار والقفز فوق النتائج إنما أجهزة دولة تتشارك في الأدوار والهدف هو مصر والسياحة .

كررنا كثيرآ أن الواقع يقتضي فنادق نجمة ونجمتين وثلاثة نخاطب بها الباحثين عن السياحة الرخيصة وإرضاء كل الأذواق في كل المجتمعات وعياً بمن نخاطب ولمن الرسالة ، ولك أن تعلم أن غالبية السياحة المصرية لتركيا إنما لرخص سعر الرحلة في فنادق الثلاث نجوم والنجمتين، حيث الزيارة ليست بهدف الإقامه وإنما السياحة بين المزارات والأحياء وأهم مظاهر الحياة التي تتمتع بها الزيارة، وليس غريباً أن نسعي لهذه الفنادق في الأقصر وأسوان وكل مناطق التنمية الجديدة والقاهرة وشرم الشيخ  والغردقة.

إن وجود هذه الفنادق في مناطق التميز يصنع ما ننادي به منذ عشرون عاماً سياحة داخلية قوية تحول دون السياحة الطاردة وعياُ بأن السياحة الداخلية أهم مدخلات وصناعة السياحة الخارجية.

 النسق البنائي للفنادق وتصميمها يجب ألا يكون تكراراً للخارج تحت اسم الحداثة ومسايرة التطور العالمي واللمس الذاتية في التصميم ووفقاُ للبيئة المحيطة ،وهل نتذكر البوريفاج بالإسكندرية وقرية مجاويش الأولي ،عندما أدارتها شركة نوادي البحر الأبيض ومحمد السقا، حيث فارق واضح بين مفهوم القرية وطبيعتها والفنادق والمباني والقاعات وطغيان الخرسانة والأسمنت  دون إدراك لأن الأمر يحتاج للتسويق لأمر جديد يختلف عما اعتاد عليه السائح من رفاهية الأدوات والمباني الشاهقة وكثيرين هم الباحثين عن الجديد والمختلف والمثير للرغبة في التغيير.

حقيقة واضحة ،حيث لايحتمل البحث الهادف لأنصاف الحلول والإرضاء إن مفهوم الخبرة والخبير في مجال السياحة ليس لقب يطلق علي مستثمر يدفع ويبني بهدف الربح في صناعة رابحه  وكذا ليس كل من عمل فى أى من مجالات العمل الفندقى يعد خبيراً استراتيجياً سياحياً، يخطط ويسوق ويدرس ويقدم الحلول ويقترح البدائل وفقاً لحركة السوق ،حتي  الذين يعملون سماسرة أو مشهلاتية لدي إدارات أجنبية.

إن الوعي السياحي في بلد يزؤد عدد سكانه عن مائة مليون هو مسؤلية دولة ومجتمع، والتعليم والقوي الناعمة في الأغنية والفيلم والأسرة ،ولا يلام في ذلك المواطن البسيط وحده وتصبح شماعة يسند إليها الفشل والعجز ،ومثال ذلك الأقصر ،حيث استشعر المواطن البسيط أهمية السياحة لحياته فأظهر كل مقومات الشخصية المصرية المضيافة والكريمة مع الضيف وحماية حريته. 

لذا يتعين أن يستشعر المواطن البسيط ويوضح له أثر نجاح السياحة علي مسقبله وأولاده ،كما أن الشركات الخاصة والاتحاد المصري للغرف  السياحية  مطالبين بدور فاعل في إحياء برامج أعرف بلدك وعودة رحلة الأقصر وأسوان وشرم الشيخ للشباب بالمدارس والجامعات  وممارسة الرسالة التوعوية الغير مباشرة في هذه البرامج.

وختاماً هي محاولة للمشاركة بالرأي إن أصبت ..لأنني أخشى أن يستهوينا البكاء علي اللبن المسكوب كحل وتصور.

زر الذهاب إلى الأعلى