المقالات

الدكتور أحمد محمد رجب يكتب : القاهرة في المرتبة الأخيرة بين أفضل 100 وجهة سياحية عالميًا.. وغياب الوجهات المصرية الأخرى !!



في يوم 20 ديسمبر، 2024 | بتوقيت 6:27 م

 

يقترب عام 2024 من نهايته، وهو العام الذي شهد انتعاشاً ملحوظاً في سوق السفر العالمي بعد سنوات عصيبة خلفتها جائحة كورونا. ومن المتوقع أن تحقق السياحة الدولية تعافيًا كاملًا بحلول نهاية هذا العام، حيث تم تسجيل نحو 1.1 مليار سائح دولي حتى سبتمبر 2024، بزيادة قدرها 11% مقارنة بنفس الفترة من عام 2023.

تقرير يُثير الاهتمام: أين موقع مصر؟

كشفت أحدث تقارير شركة أبحاث السوق Euromonitor عن ترتيب أفضل 100 وجهة سياحية عالميًا لعام 2024 على مستوى المدن. وبينما يكتنف التقرير قصور في بعض المنهجيات، إلا أنه يحظى باهتمام إعلامي كبير عالميًا، كونه يُقدم تقييمًا شاملًا لجاذبية المدن السياحية، مما يجعله مرجعًا رئيسًا للمستثمرين وصناع القرار في قطاع السياحة لتحديد فرص النمو، وتحسين استراتيجيات الأعمال، وتخصيص عروض السفر، وتحديد أهداف المبيعات في سوق السياحة العالمي.

تصدرت باريس القائمة مجددًا، فيما هيمنت المدن الأوروبية بشكل عام، مع وجود مدينة عربية واحدة فقط (دبي) ضمن أفضل 20 وجهة. أما بالنسبة للمدن المصرية، فجاءت القاهرة في المركز الأخير (100)، متأخرة عن 8 مدن عربية أخرى، في ظل غياب تام لمدن سياحية بارزة مثل شرم الشيخ والغردقة، وظهور مدن عربية أخرى لم تكن ضمن نطاق المنافسة مع الوجهات المصرية حتى وقت قريب.

ما الذي يميز المدن السياحية المتصدرة؟

يعتمد المؤشر على 6 ركائز أساسية تضم 23 مؤشرًا رئيسًا و55 مؤشرًا فرعيًا. ومن أبرز الاتجاهات العالمية التي تسلط الضوء عليها المدن المتقدمة:

أنظمة التأشيرات المبسطة: توفير تأشيرات إلكترونية أو عند الوصول أو إلغاءها بالأساس لتعزيز التدفقات السياحية.

إدارة السياحة المفرطة: من خلال فرض ضرائب أعلى وتنظيم الزيارات وتعزيز تدابير إدارة الحشود.

تنظيم أماكن الإقامة السياحية قصيرة الأجل: لحماية السكان المحليين وضمان التوازن بين السياحة ومصلحة المجتمعات المضيفة.

الأحداث الثقافية والرياضية: جذب الزوار عبر فعاليات مستمرة وموجهة.

استخدام التكنولوجيا المبتكرة: لتحسين تجارب الزوار وإدارة التحديات.

التحديات والفرص أمام المدن السياحية في مصر

عدم توافر بيانات دقيقة وشاملة عن الركائز السابقة يعد عاملًا رئيسيًا في تراجع ترتيب المدن المصرية، إلى جانب تحديات أخرى باتت معروفة ومتكررة. ومع ذلك، هناك فرص كبيرة يمكن الاستفادة منها لتحسين مكانة مصر السياحية، أبرزها:

تحسين تجربة الزائر : من خلال تحسين وإدارة نقاط الاتصال التي يتفاعل معها السائح على مدار رحلته، والتي يتجاوز عددها 200 نقطة اتصال على مسار رحلة السائح.

إعادة صياغة صورة مصر كوجهة سياحية، بعيدًا عن كونها مركزًا للسياحة الجماعية منخفضة التكلفة Low-Cost Mass Tourism Magnet: من المهم تكثيف جهود الجهات الرسمية المعنية بالسياحة في مصر وعدم الاكتفاء بدور القطاع الخاص، الذي حول العديد من الوجهات السياحية إلى منتج نمطي، مما ساهم في تحويل السياحة إلى نموذج يقتصر على السياحة الجماعية بنظام الإقامة الشاملة All-inclusive، الذي يعد من أسوأ أشكال السياحة.

زيادة مرونة التأشيرات: تسهيل إجراءات منح تأشيرات الدخول لجذب شرائح سياحية جديدة من الأسواق الناشئة.

تسويق المدن كوجهات فريدة : إبراز هوية كل مدينة مصرية كوجهة ذات طابع خاص ومميز.

تعزيز البنية التحتية والسلامة: تحسين وسائل النقل العام والاستثمار في أنظمة صديقة للبيئة.

تنظيم الفعاليات الدولية: جذب واستضافة فعاليات ثقافية ورياضية عالمية لتسليط الضوء على المدن المصرية كوجهات عالمية.

تبني الاستدامة: تطبيق ممارسات صديقة للبيئة والممارسات الخضراء عبر سلسلة القيمة السياحية بجميع مراحلها ومكوناتها.

تعظيم الاستفادة من البيانات والتكنولوجيا: استخدام أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات لتحسين تخطيط السياحة، وتوقع اتجاهات الزوار، وتعزيز الخدمات السياحية.

تفعيل دور التواصل المؤسسي والتعاون الدولي: على وزارة السياحة والآثار أن تعزز التعاون المؤسسي مع الشركات والمنظمات الدولية المسؤولة عن تقارير التصنيفات ذات الصلة بالسياحة، لتوفير بيانات دقيقة وحديثة تعكس الصورة الحقيقية لمصر. 

في الختام، يجب على مصر أن تركز جهودها في المدى القصير على تحسين جودة الخدمات السياحية بشكل شامل والترويج للمدن السياحية غير المستغلة. أما على المدى المتوسط، فيمكن أن يسهم تعزيز تجربة الزوار واستخدام التكنولوجيا في رفع تنافسية الوجهات المصرية. وعلى المدى الطويل، سيكون التركيز على التجارب الثقافية والممارسات المستدامة هو المفتاح لتحويل المدن المصرية إلى وجهات سياحية رائدة عالميًا.

ومع اقتراب نهاية عام 2024، الذي يُتوقع أن تشهد فيه السياحة المصرية نموًا يتراوح بين 1% إلى 5%،  يبقى السؤال : هل هذا النمو ناتج عن جهود حقيقية أم هو ببساطة هو نمو طبيعي وانعكاس للتوجهات العالمية في سوق السياحة؟ وإذا كانت الظروف الجيوسياسية تعد مبررًا لعدم نجاح السياحة المصرية هذا العام، فهل لا يزال هذا العذر مقبولًا في ظل النجاح الكبير الذي تحققه وجهات سياحية أخرى في المنطقة؟! … وللحديث بقية.

كاتب المقال :
استاذ الدراسات السياحية وخبير إحصاءات السياحة،     
مستشار منهجيات إحصاءات السياحة بوزارة السياحة السعودية

زر الذهاب إلى الأعلى