المقالات

قراءة سريعة في موسم حج هذا العام



في يوم 28 يونيو، 2024 | بتوقيت 4:01 م

 

اليوم ومع قرب انتهاء موسم الحج بكل ما فيه، أصبح لدينا مسئولية حقيقية لدراسة ما حدث وتسبب فى أن تتعرض حياة المواطنين للخطر ..فلا يمكن أن  يظل ملف الحج هو حديث الساعة كل موسم ، دون أن نعيد التفكير فى طريقة إدارة هذا الملف .

لم نسمع فى دول لا تمتلك ما تمتلكه دولة بحجم مصر من إمكانيات وخبرات أن حدث مثل هذه المشاكل  ..الموضوع ليس فيه اختراعات أو معادلات كيميائية ..الموضوع يتعلق بالتنظيم فقط ، لكن من خلال تقديم رؤية حقيقية مبنية على معلومات وتفاصيل كثيرة تجعلنا نواجه المشكلة وندرس وبحكمة شديدة لمنع تكرار ما حدث بعيداً عن تحمل فئة بعينها المسئولية .

لا يمكن أن يقبل أي بني آدم سواء مسئول أو غير مسئول أن تزهق كل هذه الأرواح بدون أن يعيد النظر والتفكير في الأسباب الحقيقية لما حدث.. وإعادة النظر تتطلب البحث والتدقيق في الأمر بعيداً عن إلقاء الاتهامات هنا أو هناك .. نعم هناك عدد من الشركات خالفت ضوابط الوزارة واشتركت في جريمة التغرير بمواطنين بسطاء، وهذه الشركات  نالت جزائها ، لكن لم تكن الشركات مسئولة مسئولية كاملة عن تأشيرات الزيارة ، الأمر تعلق ببعض الشركات” أكرر بعض وليس كل” الذي سيطر الطمع على أصحابها، فتأجروا بالباركود استغلالاً للموقف واشتركوا فيما حدث . 

نحن اليوم أمام مشكلة حقيقية تواجه شريحة كبيرة من المصريين الذين يرغبون في أداء فريضة الحج ولا تستطيع بسبب ارتفاع التكلفة، فيضطر هؤلاء إلى البحث عن طرق آخرى تحقق لهم رغباتهم وبتكلفة أقل تتناسب مع إمكانياتهم،بصرف النظر عن إذا كانت هذه الطرق صحيحة من عدمه، وهنا يلجأ هؤلاء إلى مجموعة من عديمي الضمير، الذين يستغلون هذه الطبقة البسيطة من المصريين، ويلعبون على أوتار حالة الشغف الشديد لأداء الفريضة وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، والصلاة في روضته الشريفة. 

.. الآن وبعد كل ما حدث أتسأل لماذا مع كل مشكلة تحدث في الحج نجد سهام الهجوم تتجه ناحية شركات السياحة فقط؟، على الرغم من أن هناك جهات أخرى تنظم الحج.. بعض الشركات أخطأت في إصدار الباركود لتأشيرات الزيارة والاشتراك في جريمة سفر لمواطنين وهم يعلمون أنهم يخالفون الضوابط وأن السفر بغرض الحج ، لكن من أقر الباركود هو قانون البوابة المصرية للعمرة، هذا بالإضافة إلى أن الإجراءات والقرارات السعودية التي تتعلق بتأشيرات الدخول سهلت على من يرغب في دخول المملكة بدون أن يلجأ إلى شركات السياحة.. السعودية هي من منحت هذه التأشيرات وهي تعلم أن هذه التأشيرات في هذا التوقيت تعني أنها بغرض الحج.. السعودية هي التي منحت وهي التي منعت، ثم بعد ذلك هي التي سمحت لهم بدخول عرفة.

نحن اليوم لسنا بصدد الدفاع عن طرف ضد طرف آخر، لكن أمام مسئولية تحتم علينا جميعاً أن نبحث وندقق في الأسباب الحقيقية للمشكلة ولا ننحاز لأحد إلا لمصر والمصريين.. وهنا لا بد أن نكشف عن عدة أسباب لما حدث من وجهة نظر متخصصة في هذا الملف أولها، أن السبب الرئيسي لما يحدث أن الحج يتم تنظيمه من خلال ثلاثة جهات وهذا لا يحدث في أي دولة آخرى.

مصر تتنازل عن جزء كبير من حصتها ” ببلاش”، ثم يلجأ البعض ممن يرغبون في أداء الحج إلى شراء هذه التأشيرات بملايين الجنيهات من خلال ما يسمى بالباقات، وعندما تم التفكير في استغلال هذه التأشيرات للأسف كان التفكير في غير محله.. مصر يجب أن تطالب بحصتها كاملة للقضاء على كل الأبواب الخلفية التي تهدد أمن وسلامة المصريين الراغبين في أداء فريضة الحج، والأيام أثبت أن ما يتردد عن أن خروج كل هذه الأعداد للحج  لا يتناسب والظروف الاقتصادية هو غير صحيح وتأشيرات الزيارة خير دليل، هذا بالإضافة إلى أن المشكلة السنوية المتكررة وهي تدبير العملة لشركات السياحة، على الرغم من أن ضوابط وزارة السياحة والآثار منحت ميزة نسبية بأن حددت سعر برامج الحج بسعر للريال يزيد عن سعره في البنوك حتى تتمكن الشركات من تدبيره وإنهاء التعاقدات مع الجانب السعودي من خدمات في المشاعر المقدسة وحجز فنادق في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ووسائل نقل الحجاج، إلا أن ما يحدث كل عام يتكرر بأن يتم إنهاء كل هذه الإجراءات في اللحظات الأخيرة ما بعد الدقيقة 90، فتضطر الشركات إلى التعاقد بأسعار مرتفعة وتفقد الأماكن المميزة في عرفات ومني، وهنا لماذا لا تقوم غرفة الشركات بالتعاقد مبكراً ولديها قدرة مالية على ذلك، ثم بعد ذلك تُحصل هذه المبالغ من الشركات .

الأمر الآخر، أن التفاوض مع الجانب السعودي تم فيما يخص مناطق المشاعر المقدسة والمساحات المخصصة لكل حاج بدون حضور ممثل عن الحج السياحي، سواء من الوزارة أو اللجنة الفنية والعليا أو الغرفة، والنتيجة هي تخصيص متر واحد لكل حاج في المشاعر في عرفات و45 سنتيمتر في مني  ، وهذا بخلاف ما كان يحدث في الماضي، حيث كانت الشركات تتعاقد بنفسها من خلال خطاب من البعثة الرسمية موجه للجهات السعودية .

لابد من البحث عن حلول ليكون  سعر  تذاكر الطيران عادل ، من خلال التواصل مع  شركات الطيران، سواء الشركات الوطنية، أو الخطوط السعودية.. لا يعقل أن يكون سعر تذكرة في الأيام العادية 9 آلاف جنيها وتصل في أيام الحج إلى 45 ألف جنيه. 

الأمر الأهم أن ما حدث هذا العام، خاصةً ما يتعلق بمن يحمل تأشيرة زيارة، يتطلب التصدي بكل قوة لكل الكيانات الوهمية التي تتأجر بأحلام البسطاء في أداء الفريضة بأسعار تناسب إمكانياتهم، هؤلاء الذين باعوا الوهم للغلابة بدون تحمل أي مسئولية، واستغلوا فئة ليست بالقليلة من الشعب المصري لديها طموح مشروع في أداء فريضة الحج، لكنهم وقفوا أمام إمكانيات مادية لا تحقق أحلامهم ورغباتهم..هذه الكيانات والأشخاص هم أبطال الجريمة التي حدثت، مخالفين لكل القوانين التي تنظم الحج سواء داخل مصر أو في المملكة العربية السعودية. 

لكل ما سبق، نحن اليوم مطالبين بوقفه حقيقية يتم من خلالها مراجعة الملف بالكامل بدون إلقاء الاتهامات على شركات السياحة، التي تنظم الحج وفق ضوابط تصدر عن وزارة السياحة والآثار، وتخضع إلى جزاءات قد تصل إلى إلغاء التراخيص في حالة مخالفتها.. َمن أخطأ يحاسب وفقاً للقانون سواء الشركات أو غير الشركات. 

زر الذهاب إلى الأعلى