السياحة تساهم في تحقيق التنمية المستدامة بما يؤدي إلى تحسين مستويات معيشة مواطنيها كأحد المكونات الرئيسة للأمن القومي بمفهومه الشامل

دور السياحة في توفير الإيرادات بالعملة الأجنبية وتطوير البنية التحتية والاستثمار في البنية الفوقية ومن ثم إتاحة فرص للتشغيل

دور السياحة كأحد أضلع القوة الناعمة في ترسيخ السلام بين الشعوب على المستوى الخارجي إلى جانب ما يمكن أن تحققه على المستوى الداخلي من الاستقرار الاجتماعي والحد من الفقر

صياغة استراتيجية وطنية طويلة المدى للسياحة تتسم بالشمولية تتيح تعزيز نمو القطاع من خلال آليات محددة للخطوات المطلوبة لإزالة جميع العوائق التي تواجه تنمية القطاع

إبراز صورة إيجابية عن مصر في الأوساط الدولية بما يعزز من القوة الناعمة لمصر وأهمية تطوير وتعزيز ممارسات السياحة المستدامة التي يمكن أن تعزز صورة البلد وسمعته في المجتمع الدولي

على جميع الأطراف المعنية بالسياحة بما فيها القطاع الخاص العمل على تطوير استراتيجيات وتبني مبادرات من شأنها تطويع قطاع السياحة المصري للحفاظ على الأمن القومي المصري على نحو مستدام

حين أطلق خالد الذكر الراحل الدكتور ممدوح البلتاجى، وزير السياحة الأسبق عبارته الشهيرة ” السياحة قاطرة التنمية “، أثار هذا حفيظة عدد كبير من العاملين والمهتمين بالشأن السياحي فكيف للسياحة أن تكون قاطرة التنمية، وقتها قدم الدكتور البلتاجى شرح مفسر لأهمية السياحة بإعتبارها صناعة المستقبل ،والمصدر الأول للعملة الصعبة ، ومع مرور الزمن تأكد الجميع من أهمية هذه الصناعة الحيوية ليس للاقتصاد القومى فقط ،بل للأمن القومى المصرى .

 الدكتورة عادلة رجب ، أستاذ الاقتصاد ،ومدير مركز البحوث الاقتصادية والمالية  بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، والمستشار الاقتصادي ونائب وزير السياحة الأسبق ،والدكتور أحمد محمد رجب، أستاذ الدراسات السياحية- كلية السياحة والفنادق بجامعة المنيا، قدما دراسة بحثية بعنوان “السياحة كأداة لتعزيز الأمن القومي المصري” ، تم تقديمها لأكاديمية ناصر العسكرية.

تضمنت الدراسة  شرح مفهوم الأمن القومي وارتباطه بالنواحى الاقتصادية، التى تأتى على رأس أولوياته ،وفى القلب منها صناعة السياحة، أو كما يطلقون عليها “الفرخة التى تبيض ذهباً للدخل القومى” .

استخلصت الدراسة ، أن الأمن القومي أمراً ضرورياً لفهم الآليات التي تتيح للحكومات ضمان سلامة وأمن مواطنيها في عالم يزداد تعقيداً وترابطاً. وقد أكدت تجارب الدول على الدور الهام الذي تلعبه السياحة في عملية النمو وضمان الاستقرار في جميع البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء، حيث تساهم السياحة في تحقيق التنمية المستدامة بما يؤدي إلى تحسين مستويات معيشة مواطنيها كأحد المكونات الرئيسة للأمن القومي بمفهومه الشامل.

ولا تختلف مصر عن بقية دول العالم في علاقة السياحة بالأمن القومي كقضيتين مترابطتين، يهدف هذا البحث إلى إبراز كيفية تعزيز الأمن القومي المصري وتحقيق القوة الشاملة للدولة وتعظيم قدراتها من خلال تحقيق النجاح في القطاع السياحي. 

ولفهم أفضل للعلاقة بين السياحة والأمن القومي في مصر، يتناول البحث المنهج الوصفي التحليلي واستعراض الأدبيات السابقة ودراسات الحالة لابراز دور السياحة كأحد أضلع القوة الناعمة في ترسيخ السلام بين الشعوب على المستوى الخارجي؛ إلى جانب ما يمكن أن تحققه على المستوى الداخلي من الاستقرار الاجتماعي، والحد من الفقر، والتنمية الاقتصادية المحلية، وتمكين الفئات الأكثر هشاشة بهدف تقليل أوجه عدم المساواة. هذا، ويسعى البحث لإلقاء الضوء على الاستراتيجيات الفعالة لتعزيز النمو السياحي المستدام في ظل الحفاظ على الأمن القومي. 

حددت الدراسة فى مقدمتها كيف كان يُنظر للأمن القومي من منظور عسكري وسياسي فقط، لكن النظرة الأشمل لهذا المفهوم سلطت الضوء على أهمية الجوانب الاقتصادية والاجتماعية كمكونات رئيسة يتشكل من خلالها الأمن القومي لأي دولة. وبشكل عام، تشير الأدبيات إلى أن النمو الاقتصادي يعد أحد أهم العوامل الحاسمة في تحقيق الاستقرار الاجتماعي، لما ينتج عنه من خلق فرص العمل وتوفير الخدمات الأساسية للمواطن وتحسين مستوى المعيشة الذي يمنع الاضطرابات الاجتماعية، ويؤدي إلى انعكاسات إيجابية مباشرة على الأمن القومي.

وفي هذا المقام، يبرز دور السياحة في توفير الإيرادات بالعملة الأجنبية، وتطوير البنية التحتية والاستثمار في البنية الفوقية ومن ثم إتاحة فرص للتشغيل. فتتميز السياحة بما لها من تشابكات أمامية وخلفية ومن علاقات متبادلة بين كثير من القطاعات الاقتصادية بالقدرة على تدعيم سلاسل الإمداد بما يساهم في القضاء على الفقر، والارتقاء بمنظومة التعليم والتدريب، وتمكين النساء اقتصادياً وتوفير دخل لهن، إلى جانب اتاحة وظائف للشباب ولذوي الهمم في المجتمع. هذا بالإضافة إلى قدرة السياحة على الحفاظ على الموارد الطبيعية وتحفيز التفاعل الثقافي والسلام وتحقيق الشراكات المختلفة. 

وتتجسد العلاقة القوية بين السياحة والأمن القومي في دورها في إمكانية توفير البيئة الآمنة لجذب الاستثمار لمعالجة العديد من القضايا الخاصة بالفقر والبطالة وعدم الشمول الاجتماعي.

تحدثت الدراسة عن أهمية صناعة السياحة، من خلال استكشاف التفاعل المتبادل بين هاتين المسألتين، من الممكن تحديد أفضل الاستراتيجيات لتعزيز النمو السياحي المستدام مع الحفاظ على الأمن القومي. ومن ثم يهدف هذا البحث إلى تناول هذه الفجوة البحثية في مصر، وعلى وجه التحديد، يهدف هذا البحث إلى تحقيق الأهداف التالية:

إبراز دور السياحة كأداة مساهمة لتعزيز الأمن القومي على المستوى الخارجي

تعزيز القوة الناعمة

تعزيز السلام 

توضيح دور السياحة كأداة مساهمة لتعزيز الأمن القومي على المستوى الداخلي

السياحة والاستقرار الاجتماعي

السياحة وتعزيز القدرات الاقتصادية والأمن الاجتماعي (الحد من الفقر، التنمية الاقتصادية المحلية، تمكين الفئات الضعيفة، الحد من أوجه عدم المساواة)

إلقاء الضوء على مفهوم وأبعاد الأمن السياحي 

تحليل مساهمة السياحة في تعزيز الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للأمن القومي في مصر

تحليل التكاليف الاقتصادية لتحديات الأمن السياحي في مصر.

جدول (1) المصادر الرئيسة للنقد الأجنبي في مصر (مليار دولار)

المصدر: البنك المركزي المصري، بيانات ميزان المدفوعات، سنوات متعددة.

جدول (2) أثر السياحة في ميزان المدفوعات في مصر

المصدر: البنك المركزي المصري، بيانات ميزان المدفوعات، سنوات متعددة.

قدمت الدراسة عدد من التتوصيات ،ذكرت فيها أن العلاقة القوية بين السياحة والأمن القومي المصري، تتجسد فيما يمكن أن يوفره قطاع السياحة من فرص كبيرة لمعالجة العديد من القضايا الرئيسة للأمن القومي، مثل تعزيز القوة الناعمة وتعزيز السلام على المستوى الدولي، ينسحب الأمر ذاته على دور السياحة كأداة لتعزيز الأمن القومي على المستوى الداخلي من حيث مساهمتها في دعم الاستقرار الاجتماعي، وتعزيز القدرات الاقتصادية والأمن الاجتماعي وفي توفير البيئة الآمنة لجذب الاستثمارات والتشغيل وكلها عوامل حاسمة للتنمية السياحية. 

إلا أن النمو السياحي غير المستدام قد يؤدى إلى تدهور البيئة وإهدار كثيير من الموارد الطبيعية ما لم يتم توظيفها برشاده، مما قد يشكل تهديداً للأمن القومي. بالإضافة إلى أن التركيز على البعد الاقتصادي فقط للتنمية السياحية، دون الاهتمام بالجانب الأمني أو البعد الاجتماعي المرتبط بالسياحة قد يعرض الدولة لما يطلق عليه السياحة المفرطة Overtourism والذي قد يخلق حالة من الصراع على الموارد بين السياح والمجتمعات المحلية المضيفة. 

استناداً إلى ما تقدم فإنه من الأهمية بمكان تبني نهج شامل للأمن القومي يتضمن الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى المكونات العسكرية والسياسية التقليدية. حيث يمكن أن تكون السياحة أداة فعالة لتعزيز الأمن القومي بعدة طرق من أهمها:

إبراز صورة إيجابية عن مصر في الأوساط الدولية بما يعزز من القوة الناعمة لمصر، فضلاً عن أهمية تطوير وتعزيز ممارسات السياحة المستدامة التي يمكن أن تعزز صورة البلد وسمعته في المجتمع الدولي بخلق تجربة سياحية ممتازة للسائح. 

استغلال الاستعدادات لافتتاح المتحف المصري الكبير في إعادة رسم الصورة الذهنية للمقصد السياحي المصري، واستعادة حركة السياحة الثقافية والتي تعد أكثر أنواع السياحة استدامة.

صياغة استراتيجية وطنية طويلة المدى للسياحة تتسم بالشمولية تتيح تعزيز نمو القطاع من خلال آليات محددة للخطوات المطلوبة لإزالة جميع العوائق التي تواجه تنمية القطاع أخذا في الاعتبار استراتيجيات القطاعات الأخرى بالدولة، وفي ضوء مستهدفات رؤية مصر 2030. 

تضمين السياحة المحلية ضمن التوجهات الاستراتيجية للسياحة لإتاحة الفرصة للمواطنين بالاستفادة من المقومات السياحية الذي من شأنه تعزيز الاستقرار الاجتماعي فضلاً عن الفوائد الاقتصادية.

إعادة التفكير في الاستدامة السياحية والتي لم تعد اختياراً إنما ضرورة ملحة تستلزم إدراجها في جميع قرارات التنمية السياحية، مع توجيه اهتمام أكبر للمشاركة المجتمعية في جميع مراحل التنمية السياحية.

تبني مبادرات السياحة المجتمعية التي تحترم الأصالة الاجتماعية والثقافية للمجتمعات المضيفة، فضلاً عن ضمان منافع اقتصادية مجدية وطويلة الأجل للمجتمعات المحلية.

وضع آليات تشجع من استخدام المكون المحلي في عمليات التشغيل السياحي بما يدعم توفير فرص العمل والحد من الفقر وخاصة في المجتمعات الريفية، وهذا بالطبع ينعكس إيجاباً على بناء مجتمعات أقوى وتعزيز التماسك الاجتماعي وضمان الاستقرار الاجتماعي.

تشجيع مبادرات ريادة الأعمال وحاضنات الأعمال السياحية بما يوفر فرص العمل للفئات الضعيفة كالشباب والمرأة وذوي الهمم.

مراجعة التشدد في بعض السياسات والإجراءات الأمنية مثل سياسات تأشيرات الدخول التي قد يكون لها أثر سلبي أو غير تنافسي على السياحة، حيث أن السياسات التقييدية المبالغ فيها لمنح التأشيرات يمكن أن تؤدي إلى تحول السياح إلى وجهات سياحية أخرى، وأيضاً السياسات الأمنية مثل كثافة الأمن في المطارات والمواقع السياحية يمكن أن تخلق تصوراً لمشكلات أمنية وزيادة مخاوف السياح بوجود تهديدات أمنية.

تفعيل المسئولية الاجتماعية لمنشآت الأعمال السياحية بما يدعم النظرة الإيجابية والتصورات عن منافع القطاع السياحي في المجتمعات المحلية المضيفة للسياح.

واختتمت الدراسة بضرورة التأكيد على أن دور السياحة ومساهمتها في تعزيز الأمن القومي المصري على المستويين الداخلي والخارجي لا يقع على عاتق الجهات الحكومية فقط، وإنما ينبغي على جميع الأطراف المعنية بالسياحة بما فيها القطاع الخاص العمل على تطوير استراتيجيات وتبني مبادرات من شأنها تطويع قطاع السياحة المصري للحفاظ على الأمن القومي المصري على نحو مستدام.