حقيقة لا خلاف عليها أن السائح عند اتخاذ قرار السفر لمقصد بعينه ، أنما يضع في اعتباره الأمن والسلامة وقيم وأخلاق وسمعة أهل المقصد، مطلعا علي خبرات الآخرين وانطباعهم ممن زاروا هذا المقصد أو تتبعا لما تحمله الأخبار عنه .
..يثور ذلك عندما نسترجع ما حدث في منطقة الأهرامات من تحرش بعض الصبية والمهاويس ببعض السائحات وبشكل منفر مستفز يدعو للحسرة علي دعاية سوداء تسئ لمصر وشعبها قبل حركة السياحة لمصر وهنا يهمني أن أضع علي بساط الحوار الحقائق الموضوعية التالية :
أولاً : إن اصرار البعض علي الإستمرار في ممارسة أسلوب النعامة واخفاء الرؤوس في الرمال عند التفسير أو التبرير لن يحقق أساليب جادة لمواجهة الظواهر الشاذة المؤثرة اقتصادياُ وأخلاقياُ علي السياحة وسمعة مصر، والصورة الذهنية المشوهة لمصر خارج الحدود لذا يتعين مواجهة النفس بالأسباب الحقيقية للظواهر الشاذة.
ثانيا: أن الاستنكار والشجب والاسراع في القبض علي بعض الصبية والمتحرشين بعد فحص الكاميرات لا يمثل سوي صورة من صور انكار الواقع والخلل الاجنماعي وغياب الوعي ، ولا يعالج الظاهرة والتي نعلم أنها منتشرة في مواقع سياحية كثيرة، ومنها خان الخليلي والقلعةوشارع المعز ومنطقة مسجد الرفاعي والحاكم بأمر الله وذلك علي سبيل المثال لا الحصر ويضاف لذلك التسول ومطاردة بغيضه والخرتية والتحرش تحت ستار بيع العاديات المقلدة وسلع التذكارات.
ثالثاً : أن الاعتماد علي المواجهة الأمنية وحدها أمر يحتاج لإعادة النظر، وخاصة اصرارنا علي ارتداء أمناء الشرطة والمجندين الزي الرسمي وأحيانا بالسلاح ، مع انتشار سيارات النجدة في المناطق السياحية، بدء من المطار وإنهاء الإجراءات ، ثم الفنادق والمناطق والشوارع السياحية، ويمثل التواجد الأمني أحيانا ضروره لظروف داخلية، إلا أنه يمكن بالخدمات السرية ورجال المباحث بالملابس المدنية ومسلحين وغير ذلك من وسائل التواجد الأمني المكثف، في إطار من الإخفاء والتموية والتصوير والمراقبة للكاميرات من خلال شاشات تساعد في التحرك السريع للمواجهة، وهو أمر متبع في كل دول العالم ونذكر منها علي سبيل المثال : سنغافورة ودبي وبرشلونه، والتي تحقق نسبة هائلة من أعداد السائحين ، رغم أنها لا تملك مانملك كمقصد سياحي من مقومات الجذب السياحي والامكانيات الجاذبة لكل أنواع السياحة الثقافية والترويحية والمؤتمرات وغيرها.
رابعاً : إن غياب الوعي وادراك الأهمية الاقتصادية للسياحة وأثرها علي حياة الناس، لايكفي أن ينادي البعض بمقولة نشر الوعي السياحي في المدارس والأندية والجمعيات ، أنما المواجهة الحقيقية تقتضي أن نخرج الرأس من الرمال ، ونؤكد أن الفن الهابط وكلمات المهرجانات والأغاني الرخيصة، فضلا عن موجة العنف والتشرد في أفلامنا ومسلسلاتنا وغياب دور القوي الناعمة في بناء الوجدان وبناء الشخصية السوية للأجيال ، تنشئ في مناخ مستنقع فني يحض علي العنف والتحرش والإغتصاب وإهانة الكبار والرموز ، مع غياب الأسر المصرية ودورها في التربية، إما للفقر ومواجهة الحاجة أو لتباهي الأثرياء الجدد وتقليد الغرب في أسوء مظاهره وعيوبة، فضلا عن غياب دور المدرسة والمعلم واندثار المدرسة الشاملة رياضة وموسيقى ومسرح وأساليب تربية حديثة.
خامساً : اشتهر المصري طوال تاريخه بإكرام الضيف وحماية الغريب وإغاثة الملهوف ، والخلق الرفيع حتي في الحارات والأزقة حيث سادت أخلاق وقيم وأخلاقيات ولاد البلد ،لكن ما اعتراها من صدأ وتراب يهز حقيقتها أنما هو لسياسة النعام والجذر المنعزلة والنظر للسياحة كنشاط هامشي وإهمال قيمتها كصناعة وقدرة اقتصادية للتنمية الشاملة، شريطة أن تتكاتف كل الأجهزة والدولة، حيث أن السياحة ليست مسؤلية وزير أو وزارة، بل مسئولية دولة وشعب وقيادات وكوادر تملك القدرة علي بناء المستقبل.
وختاما نعيب زماننا والعيب فينا..وما لزمان عيب سوانا..” إن اريد إلا الإصلاح مااستطعت وماتوفيقي إلا بالله” .