المقالات

الدكتور مصطفى وزيرى يكتب : فرنسا .. مائتي عام من العلاقات الإستثنائية


في يوم 7 أبريل، 2025 | بتوقيت 11:28 م

 

تابعت ومعي الملايين الزيارة الإستثنائية للرئيس الفرنسي ماكرون لمصرنا الحبيبة ، وقيامه بجولته التاريخية بمرافقة  الرئيس عبد الفتاح السيسي لمنطقة خان الخليلي العريقة ، حيث تشهد العلاقات المصرية الفرنسية تقاربًا وتفاهمًا ملحوظًا منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة بلدنا حفظها الله ، وهى زيارة تعكس التقارب الملحوظ بين وجهات النظر تجاه القضايا الكبرى وعلى رأسها القضية الفلسطينية ، وكذلك رغبة أكيدة فى تقوية شراكة البلدين والتي تمتد لأكثر من قرنين من الزمان وذلك فى كافة المجالات الاقتصادية والثقافية والعسكرية.  

كانت بداية هذه العلاقات الاستثنائية بين مصر وفرنسا مع الوالي محمد علي باشا حيث كان يؤمن بأنه لن يستطيع أن ينشئ قوة عسكرية على الطراز الأوروبي المتقدم إلا بإيجاد تعليم عصري يحل محل التعليم التقليدي ، فابتعث محمد علي أول البعثات التعليمية إلى أوروبا عام 1813 وكانت البعثات الأولى صغيرة العدد ، ورغم ذلك فقد لمع منهم عثمان نور الدين الذي أصبح أميرالاي الأسطول المصري ، ونقولا مسابكي الذي أسس مطبعة بولاق عام 1821 ، إلا أن العصر الذهبي لتلك البعثات كان مع بعثة عام 1826 إلى فرنسا والتي استهدفت دراسة العلوم العسكرية والإدارية والطب والزراعة والمعادن والكيمياء وصب المعادن وصناعة الأسلحة والطباعة والعمارة والترجمة ، وشهد عام 1844 أكبر تلك البعثات العلمية والتي أرسلت إلى فرنسا أيضًا وعرفت باسم “بعثة الأنجال” لأنها ضمت اثنين من أبناء محمد علي واثنين من أحفاده. وأفرزت هذه البعثات قامات علمية عظيمة ساعدت فى بناء مصر الحديثة بدايةً من رفاعة الطهطاوي وصولًا إلى طه حسين. 

وأنشأ محمد علي عام 1820 مدرسة حربية في أسوان ، وألحق بها عددًا من مماليكه ليتم تدريبهم على النظم العسكرية الحديثة على يد ضابط فرنسي يدعى جوزيف سيڤ (سليمان باشا الفرنساوي فيما بعد) جاء إلى مصر وعرض خدماته على محمد علي وتخرجت تلك المجموعة ليكون هؤلاء الضباط النواة التي بدأ بها الجيش النظامي المصري الحديث ، كما قام ببناء ترسانة الإسكندرية عام 1829 وعهد إدارتها إلى مهندس فرنسي اسمه سريزي ، وقامت الترسانة بمهمة إعادة بناء الأسطول على الأنماط الأوروبية الحديثة.

كما استعان محمد على فى مشروعاته الاقتصادية والعلمية بخبراء فرنسيين ، وشارك الفرنسيون خلال تلك الفترة في بناء القناطر والجسور والأبنية الهندسية والمدارس. حتى عندما نشبت الحروب بين السلطان العثماني وبين محمد علي استخدمت فرنسا علاقاتها الوديّة مع مصر لإقناع محمد علي باشا بتسوية خلافه مع السلطان ، وبذلت فرنسا جهودًا مضنية للتوفيق بين وجهتي النظر العثمانية والمصرية وكان محمد على يراهن على مساعدة فرنسا لمصر وقت الحاجة.

وكان لعثور علماء الحملة الفرنسية على حجر رشيد الفضل فى فك شامبليون -عالم اللغويات الفرنسي- شفرة اللغة المصرية القديمة معلنًا عن ميلاد “علم المصريات الحديث” ، ويأتي من بعده الفرنسي “أوجست مارييت” ليكمل مسيرته فى خدمة علم المصريات وإقامت العديد من الحفائر التي شملت مصر كلها وأهمها سقارة  والكرنك. وفي عام 1858م أصدر سعيد باشا والى مصر أمراً بتعين مارييت مديرًا لمصلحة الآثار التاريخية التي تم استحداثها انذاك والتي شهدت خلال فترة إدارته العديد من الإنجازات من سن العديد من اللوائح والقوانين التي تحمي الآثار المصرية من السرقة ، كما افتتح فى نوفمبر 1863 المتحف المصري ببولاق ليكون نواة للمتحف المصري بالتحرير والذي افتتح علم 1902 ليستمر الولع الفرنسي بالآثار المصرية والتي أصبحت علم يُدرس فى كافة الجامعات العالمية.

حصل الفرنسي فرديناند ديليسبس على امتياز حفر قناة السويس من سعيد باشا والي مصر ، والتي افتتحت فى عهد الخديو إسماعيل عام 1869 ، وهى القناة التي بسببها دخلت العلاقات المصرية- الفرنسية أسوأ مراحلها بعد تأميم قناة السويس عام 1956 حيث تحالفت فرنسا مع بريطانيا وإسرائيل للتصدي لقرار التأميم عبر العدوان الغاشم على مصر. 

بخروج مصر من المعسكر السوفيتي فى عهد الرئيس أنور السادات ، حافظت مصر وفرنسا على علاقات متميزة فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية وغيرها على أسس الاحترام المتبادل بدءًا بعهد الجنرال ديجول صاحب المواقف المتضامنة مع العرب عقب عدوان 1967 مرورًا بفترات حكم الرؤساء بومبيدو، ديستان، ميتران، شيراك، ساركوزى اصحاب وجهات النظر الداعمة للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.

  

زر الذهاب إلى الأعلى