مصطفي النجار يكتب : الغرف السياحية “المغضوب عليهم” .. وتجربة اليونان يا دكتور مدبولي !
في يوم 22 ديسمبر، 2024 | بتوقيت 3:15 م
المشهد رقم 1
ليس جديدا أن أعيد التاكيد على أن ما يقدمه الرئيس عبد الفتاح السيسي للسياحة المصرية ربما لم يقدمه أحدا قبله من تطوير للبنية الأساسية والخدمات والطرق والمطارات، لإعطاء دفعه قويه لقطاع السياحة، وكذلك تأكيده المستمر على دعم القطاع الخاص.
وأتوقف اليوم عند قضية دعم الرئيس السيسي للقطاع الخاص في كل مجالات الاقتصاد في مصر، وأخص بالذكر القطاع الخاص في مجال السياحة.
لكن إذا تأملنا ما يحدث في قطاع السياحة الخاص حاليا لا يمكن أن تخطئ عيناه أن هناك مشكلة كبرى في إدارة هذا القطاع الذي سماه خالد الذكر وزير السياحة الأسبق المرحوم الدكتور ممدوح البلتاجي ،قاطرة التنمية الاقتصادية، لقدرته على توفير فرص العمل وتوفير العملات الصعبة وتنمية وتطوير المناطق النائية في مصر.
كان البلتاجي رحمه الله يردد أن القطاع الخاص هو الذي ينهض بعبء التنمية السياحية في مصر بالكامل ، وبالتالي كنا لا نجد اجتماعا يعقده إلا بحضور ممثلي القطاع الخاص، سواء رئيس اتحاد الغرف السياحية أو على الأقل أحد رؤساء الغرف، وتاكيداً على دورية الاجتماعات مع هؤلاء الأعضاء للشرح والتفسير وتأكيده على أن الدولة مهتمه بإيجاد حلول لكل مشكلات القطاع الخاص، حتى قيادات الوزارة كانت موجودة في كل الاجتماعات مع الدكتور البلتاجي.
لقد صنع الرجل منظومه إدارية و إعلامية لخدمة القطاع، وكان أيضا يقول أنه لا سياحة بدون إعلام، ولا سياحة بدون طيران ،من هنا كان النجاح الذي حققه هذا القطاع الذي جعل الناس تنسب الفضل إلى المرحوم البلتاجي في الدخول بمصر إلى عالم سياحة الملايين.
المشهد رقم 2
لكن ما يحدث الآن من وزارة السياحة في التعامل مع القطاع الخاص أو الغرف السياحية، يكاد يجعلنا نقول أن رجال وأعضاء هذه الغرف ، وأعضاء الاتحاد” مغضوب عليهم” .. علي عكس أعضاء الغرف الصناعية و التجارية.. فلا يتم استشارتهم غالباً إلا في أضيق الحدود ، وكل الاجتماعات لا يحضرونها ،سواء في المعارض الدولية أو الداخلية، حتي في وجود شركاء المهنه لهم من الخارج .
ودعك من بعض الاجتماعات أو الحضور هنا وهناك .. وهذا خطأ كبير لأن القطاع الخاص لابد أن يكون إلى جوار المسؤول عن السياحة.. فطالما أن القطاع الخاص يقوم بعبء التنمية السياحية في مصر بالكامل ، فمن الضروري الاستماع والإنصات إلى رأيه، ولسنا في هذا بعيدين عما يحدث في العالم.د، لكن للأسف كما أشرت في مقالي الأخير، فإن قيادات هذا القطاع لا تستريح إلى ذلك.. فطالما نادينا بضروره وجود اتحاد الغرف السياحية وغرف منتخبه بالكامل ،وهو ما تم بالفعل مؤخرًا، وما كنا ننتظره أن يكون الرأي الأول لهم في كل شيء ، لكن واضح أن المفهوم مقلوب كما يتصورون بأن الغرف والاتحاد يعملون عندهم في الوزارة، فالعكس صحيح ، كل قيادات الوزارة يجب أن تكون لخدمة قطاع السياحة، وخدمة القطاع الخاص المسؤول تماماً عن هذه التنمية، انطلاقاً من قاعدة أننا جميعا نعمل عند المواطن المصري ولصالح مصر.
وعند هذه النقطه أؤكد أن كثيراً من الرسائل وصلتنا على المقال الأخير بأسماء محددة موجودة في الوزارة وفي هيئة التنشيط وفي غيرها ممن يتم الاستعانة بهم من الخارج، وصرف مرتبات لهم بدون أي خبرة سياحية يمتلكونها، وهذا خطأ كبير لا يظهر الصورة الحقيقية لمطالب هذا القطاع وكيفية إدارته لتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة.
المشهد رقم 3
في اعتقادي أن الدكتور مصطفى مدبولي فعل شيئاً رائعاً في السنوات الأخيرة، وهو أنه كلف اتحاد الغرف السياحية إيماناً منه بأهمية دور القطاع الخاص بإعداد استراتيجية للسياحة المصرية، وبالفعل تم وضع هذه الاستراتيجية من مكتب إيطالي، بواسطه اتحاد الغرف السياحية في عام 2020 ،والتي وضعت تصوراً شاملًا لكيفية تنمية قطاع السياحة في مصر ، وكيفية النهوض بها، وقد انفق هذا على هذه الاستراتيجية رجال القطاع الخاص، هشام طلعت مصطفى ،و باسل سامى سعد ، وأحمد الوصيف، وحسام الشاعر ، بأنفسهم مبلغ ضخم بالدولارات.
لقد وضعت هذه الاستراتيجية أو التصور الرائع للسياحة المصرية لسنوات قادمة، والغريب أننا نفاجئ أن كل من تولى مسؤولية الوزارة في السنوات الأخيرة، يأتى ويقول أن عندنا استراتيجية ،وأنه من خلال هذه الاستراتيجية نقوم بكذا وكذا.. مع أنهم لم يشاركوا في هذه الاستراتيجية على الإطلاق، والفضل فيها إلى الدكتور مصطفى مدبولي،
لكني انتظر من الدكتور مصطفى مدبولي هدية أخرى لهذا، وهي أن يقوم الدكتور مصطفى مدبولي بتكليف اتحاد الغرف السياحية بإلقاء نظرة على تجربة اليونان في التنمية السياحية في السنوات الأخيرة، وحوافذ الاستثمار السياحي.. فكلنا يعرف أن التنمية في اليونان كانت تواجه في السنوات الأخيرة معضلة اقتصادية كبرى، وكانت على وشك الإعلان عن الإفلاس، لكن دبت الحياه في أوصال الاقتصاد اليوناني، بفضل خطط الحكومة وحوافز الاستثمار في كل مكان ،والذي لا شك فيه أن السياحة كانت هي العنصر الأبرز أو الأقوى في دعم الاقتصاد اليوناني.. لقد وصل ما قدمته السياحة من جهود كبيرة بسبب الحوافز التي قدمتها اليونان لقطاع السياحة إلى أرقام قوية شدة الاقتصاد اليوناني إلى أعلى، فاليونان الآن التي تقترب من 40 مليون سائح ووفرت في العام الماضي 800 ألف وظيفة من خلال السياحة، تساهم السياحة فيها بنحو ما يقرب من 20% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يشكل نحو ثلاث أضعاف متوسط دول مثل إسبانيا وإيطاليا.
إن الحوافز التي قدمتها الحكومة اليونانية للسياحة، كانت كفيله فعلا بمساعدة السياحة للمساهمة في انقاذ الاقتصاد اليوناني ، فعلى سبيل المثال كان من ضمن الحوافز في مجال الاستثمار السياحي والفنادق، كانت تؤكد على أن كل رجل أعمال يستطيع أن يقوم بتطوير أحد الفنادق في حالة سيئة ، بأن تعيد الدولة دفع نسبه 75% له من المبالغ التي أنفقها على الفندق مباشرة، يعني كاش كما يقولون ،وكذلك بعض الفنادق التي كانت مغلقه تماماً تعيد الحكومة إلى رجل الأعمال الذي نجح في إعادة افتتاحها نحو 55% مما أنفقه.. واستطاعت السياحة بشكل عام أن تساهم في انقاذ الاقتصاد اليوناني وتدفعه للأمام بقوة شديدة جداً، والدولة اليونانية مستمرة في دعم هذا القطاع الآن، لأن في النهاية هذا القطاع هو الذي يدفع للدولة ضرائب ويوفر فرص عمل ورسوم، أما طريقة التعامل مع السياحة من البداية بقتل الدجاجة التي تبيض ذهباً من البداية من خلال رسوم وأشياء من هذا القبيل، فهو تفكير خاطئ.. علينا أن نعطي الفرصة لقيام المشروعات وتطويرها ودعمها ونقل التجارب الدولية الناجحة، لأن ما يتولد منها من عملات صعبة ومن أموال تدفع للدولة وتوفير فرص عمل كفيلة بأن تعيد للدولة كثيراً مما تطلبه من قطاع السياحة.
لن أطيل اليوم في هذا المقال ،لكن في النهاية أقول أن استمرار الرئيس السيسي في دعم هذا القطاع ورؤيته الثاقبة لأهمية السياحة، هي بلا شك خير ضمان لاستمرار قدرة السياحة علي أن تدفع بالاقتصاد القومي إلى مراتب أعلى.