الدكتور أحمد محمد رجب يكتب : إحصاءات السياحة في مصر..” مفتاح جذب المستثمرين وبناء الثقة”
في يوم 13 ديسمبر، 2024 | بتوقيت 2:37 م
في عالم يعتمد على البيانات الشاملة والدقيقة لاتخاذ القرارات، تلعب إحصاءات السياحة دورًا محوريًا في صياغة استراتيجيات التنمية وجذب الاستثمارات.
وقد امتلكت مصر في السابق نظامًا وطنيًا لإحصاءات السياحة، أشرف عليه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بالتعاون مع وزارة السياحة. هذا النظام تطور ليصبح أكثر تقدمًا وتوافقًا مع التوصيات الدولية لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة، مما منح مصر الريادة في بعض المجالات، مثل توفير مؤشرات دقيقة للمساهمة الحقيقية للسياحة في الناتج المحلي الإجمالي بالاعتماد على “حساب السياحة الفرعي” كأداة اقتصادية دولية معتمدة. ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة تراجعًا ملحوظًا في هذا المجال.
هذا التراجع انعكس على ترتيب مصر في مؤشر شمولية البيانات السنوية للسفر والسياحة، حيث حلت في المرتبة 107 عالميًا، والأخيرة عربيًا وفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي 2024. واليوم، يقتصر إنتاج المؤشرات السياحية في مصر على بيانات محدودة، مثل عدد الزوار القادمين حسب الجنسية، وعدد الليالي السياحية (المستندة إلى بيانات بطاقات الدخول والمغادرة التي أصبحت آلية قديمة وغير مواكبة للتطورات الحديثة)، بالإضافة إلى الإيرادات السياحية التي تُحتسب بناءً على تقديرات البنك المركزي. ومع ذلك، فإن هذه المؤشرات تعاني من العديد من أوجه القصور التي تؤثر على دقتها وشموليتها.
ما الذي خسرناه ؟
إن غياب منظومة متكاملة لإحصاءات السياحة يحول دون تحقيق رؤية مصر الطموحة لاستقبال 30 مليون سائح. على سبيل المثال :
يتم احتساب عدد الزوار بناءً على الجنسية وليس بلد الإقامة، مما يخالف التوصيات الدولية.
تعتمد التقديرات الحالية للإنفاق السياحي على افتراضات غير دقيقة، بدلًا من مسوح إحصائية موثوقة.
لا تشمل المؤشرات الحالية تصنيفات هامة مثل زوار اليوم الواحد مقارنة بزوار المبيت.
تُهمل البيانات المالية الرئيسة مثل متوسط السعر اليومي للغرفة الفندقية (ADR) ومعدل العائد لكل غرفة متاحة (RevPAR)، وهي مؤشرات يبحث عنها المستثمرون.
أهمية الإحصاءات السياحية للمستثمرين
إن إنتاج إحصاءات سياحية دقيقة وشاملة لا يُعد رفاهية، بل ضرورة لتعزيز ثقة المستثمرين وجذب رؤوس الأموال. وتتجلى أهميتها في النقاط التالية :
المصداقية والشفافية :
تعكس البيانات الموثوقة التزام الدولة بالشفافية، مما يُطمئن المستثمرين بوجود بيئة استثمارية مستقرة.
رؤى السوق وفرص النمو :
تكشف الإحصاءات اتجاهات السوق، مثل زيادة الطلب من أسواق معينة أو الأنماط الموسمية، ما يساعد المستثمرين في التخطيط الدقيق لاستثماراتهم.
تقييم المخاطر واستدامة السوق :
تقدم البيانات أداة لتحليل المخاطر وفرص النمو، مما يعزز من ثقة المستثمرين باستدامة القطاع السياحي.
قياس فعالية السياسات الحكومية :
تسلط الإحصاءات الضوء على تأثير المبادرات الحكومية مثل تطوير البنية التحتية أو الحملات التسويقية، مما يُظهر للمستثمرين مدى دعم الدولة للقطاع.
إبراز التنافسية :
تُمكّن الإحصاءات الدول من مقارنة أدائها بالوجهات الأخرى، مما يُبرز مزايا مصر التنافسية ومؤشرات الأداء الإيجابية.
تحديد الفجوات الاستثمارية :
تساعد الإحصاءات في كشف نقص الخدمات أو المنتجات السياحية، مثل السعة الفندقية أو التجربة السياحة أو الطلب على منتجات بعينها، ما يفتح آفاقًا جديدة للاستثمار.
الطريق إلى الأمام
في الوقت الذي تُسارع فيه الدول السياحية إلى دمج مصادر البيانات التقليدية، مثل السجلات الإدارية والمسوح الإحصائية، مع مصادر البيانات غير التقليدية ، كالبيانات الضخمة المستمدة من بيانات تحديد المواقع للهواتف المحمولة، مدفوعات البطاقات البنكية، وبيانات الحجوزات – لا يزال القرار السياحي في مصر يعتمد بشكل كبير على التخمين والانطباعات الشخصية للمسؤولين، بدلاً من أن يستند إلى التحليل الإحصائي والمنهج العلمي الصحيح.
إذا أرادت مصر أن تصبح وجهة سياحية تنافسية ومصدرًا جاذبًا للاستثمارات، فلا بد من إحياء منظومة إحصاءات السياحة، واعتماد أدوات حديثة لإنتاج بيانات موثوقة وشاملة. الإبلاغ عن الأرقام ليس مجرد وسيلة لقياس الأداء، بل هو جسر يربط بين الإمكانات والفرص، ويسهم في بناء قطاع سياحي ناجح ومستدام يحقق مصالح الجميع.
كاتب المقال ..
استاذ الدراسات السياحية وخبير إحصاءات السياحة، مستشار منهجيات إحصاءات السياحة بوزارة السياحة السعودية